دراما رمضان تخمة ضارة وموضة عفى عنها الزمن
ما أن يهلّ هلال الشَهر الفضيل حتى ترتفع أمواج التّخمة الدَراميّة على كافّة شطآن الوطن العربي. محطات تتنافس، إعلانات تتزاحم، تيترات تتصادم. نجوم تتداخل وجوهها ببعض. والمشاهد يقف تائهاً أمام هذه الزَحمة غير المبرّرة. فلا طقوس الصَائم تحتاج الى هذه التخمة ولا الوقت يتّسع حتى لو أردنا أنّ نزهقه أمام كل هذا الهدر غير المبرّر.
هذا التقليد في الإسراف لا نعرف ماهيّته ولا كيف أبتدأ وأين. جلَ ما نعرفه أنّ الشاشات تتغنّى ببرمجتها وصنّاع الدراما يزرعون بذارهم على أمل أن يحصدوا الغلّة أطنان. والممثل يتباهى بأنّ نجمه سطع في رمضان. فمن ليس له عمل رمضاني فهو خارج الحسبة وخارج التَصنيف وخارج سلّة النَجاح.
هذا العام هناك اكثر من 50 مسلسلاً وعملاً سيشقّ طريقه في زحمة المشاهدة خلال شهر رمضان. وربما هذا العام هو الأقل من حيث التخمة بسبب جائحة كورونا وما فرضته من ظروفٍ صعبة سواء في مسألة التباعد أو الضَيق الاقتصادي الذي تعاني منه كافة القطاعات وقلة الاعلانات على معظم محطات التلفزة.
مسلسلات ستضخّ حلقاتها دفعةً واحدةً لتسلية الصائم. هذا الصائم الذي لا يأبه لكل هذه المزاريب المفتوحة أمامه فهو عندما يتلقف بداية أي عمل وتعجبه الخلطة، يثابر عليها دون أن يتطلع يميناً أو شمالاً غير مبالٍ لكل هذا الدفق الذي يمشي حوله.
مسلسلات رمضان لها فرائضها. أول فريضة أن يكون العمل 30 حلقة، بغض النظر عن الحبكة وأهمية توالي الأحداث المشوّقة. فقد يحدث أن يكون العمل مجرد حشو وثرثرة، ويكفي أن تلتقط البداية والنهاية وتفهم الحبكة الدرامية بعبرها ودروسها وخواتيمها.
فهذا اللَت والعجن لم يعد ينطلي على الجمهور الذي فتحت أمامه المنصّات العملاقة مثل “نتفليكس” و”شاهد” وبات خبيراً في حبكات الحكايات، ومطلعاً على فنون العالم، ويستطيع في برهة أن يختار لنفسه فناً يخاطبه أو يستمتع به.
فدراما رمضان المتدفقة في وجهه لم تعد قادرة أن تفرض طقوسها على المشاهد، بل هو بات المتحكّم باللعبة وما يريد منها. طالما أنّ كل يوم عنده رمضان وأكثر عندما نحكي عن كمية الأعمال المشرّعة أمام ناظريه.
الدراما الرمضانية باتت أشبه بسوق عكاظ، حيث الكل يريد أن يتبارى فيها ويشمّر عن عضلاته حتى ولو كانت ضامرة. هي ليست سوى سوقاً إعلانية كأبعد حد، تتبارى فيها الأفيشات وتشبه تماماً سوق الطَيّب للمأكولات حيث يشرعّ صناع الطعام دكاكينهم ومأكولاتهم أمام أصحاب البطون ومحبي التغيير من أجل أن يحظوا بزبائن مخلصين لهم للأيام القادمة.
منذ عام ونصف والناس قابعة في بيوتها، محظور عليها التنقّل أو الخروج الا بحدود. فكورونا غيرت كل المقاييس وجعلت التلفزيون الرفيق الأول في هذه الجائحة، وبات الكل خبير ومتفرّغ للمشاهدة. فهل أخذ المنتج هذا الأمر بالحسبان وأن الثلاثين حلقة لأي عمل لم تعد تنطلي عليه، ومفهوم المطَ لم يعد بمصلحة صناع الدراما؟
اليوم بات مفهوم العمل الجيّد بكل جزئياته هو القادر على الصمود ورفع راية النجاح، أمام مشاهد لا شغل ولا عمل له سوى التنقل بين المنصّات العملاقة التي تردفه بالصناعة الدرامية البليغة. فهل حان الوقت أن يفكر المنتج وأبطاله أن كل فصل وكل شهر في العام قد يكون مثمراً له أكثر من رمضان حتى لا تقع ثماره بعيداً ولا يسقط عمله في همروجة العيد وتخمته؟
يبقى أن نقول حان الوقت أن نخرج من فكرة الدراما الرمضانية لأنها غير موفقة، لا للمشاهد الذي يجد نفسه تائهاً وسط هذا الدفق، ولا موفّقة للمنتج الذي يحشر نفسه في موسم زاخر، ولا موفقةً للأبطال الذين قد لا يحظون بمكانتهم. فيستحق المشاهد والعاملين في مجال هذه الصَناعة الفنية أن يحظوا بمكانة رفيعة خلال أشهر أخرى من السنة. ولنوزّع أعمال هذا الَشهر على كافة العام فهذا منصف للجميع.